فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حلف الله بعزته وقدرته لا يشرب عبد مسلم شربة من خمر إلا سقيته بما انتهك منها من الحميم معذب بعد أو مغفور له، ولا يتركها وهوعليها قادر ابتغاء مرضاتي إلا سقيته منها فأرويته في حظيرة القدس».
وأخرج عبد الرزاق عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: يجيء يوم القيامة شارب الخمر مسودًا وجهه، مزرقَّة عيناه، مائلًا شقه.
أو قال: شدقه مدليًا لسانه، يسيل لعابه على صدره، يقذره كل من يراه.
وأخرج أحمد عن قيس بن سعد بن عبادة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من شرب الخمر أتى عطشان يوم القيامة، ألا وكل مسكر خمر، وإياكم والغبيراء».
وأخرج أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد كان مثل ذلك، فما أدري في الثالثة أم في الرابعة قال: فإن عاد كان حتمًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله، ما طينة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار».
وأخرج ابن أبي سعد وابن أبي شيبة عن خلدة بنت طلق قالت: قال لنا أبي: «جلسنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء صحار، فسأله ما ترى في شراب نصنعه من ثمارنا؟ قال: تسألني عن المسكر، لا تشربه ولا تسقه أخاك، فوالذي نفس محمد بيده ما شربه رجل قط ابتغاء لذة سكر فيسقيه الله الخمر يوم القيامة».
وأخرج أحمد عن أسماء بنت يزيد. أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من شرب الخمر لم يرضَ الله عنه أربعين ليلة، فإن مات مات كافرًا، وإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد كان حقًا على الله أن يسقيه من طينة الخبال. قلت: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار».
وأخرج أحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال «الريب من الكفر، والنوح عمل الجاهلية، والشعر من أمر إبليس، والغلول جمر من جهنم، والخمر جامع كل إثم، والشباب شعبة من الجنون، والنساء حبائل الشيطان، والكبر شر من الشر، وشر المآكل مال اليتيم، وشر المكاسب الربا، والسعيد من وُعِظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه».
وأخرج البيهقي في الشعب عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لم يزل جبريل ينهاني عن عبادة الأوثان وشرب الخمر وملاحاة الرجال».
وأخرج البيهقي عن أم سلمة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كان في أول ما نهاني عنه ربي وعهد إليَّ بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر لملاحاة الرجال» والله تعالى أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {فِي الخَمْرِ}: فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه متعلق بـ {يُوقِعَ}، أي: يُوقعَ بينكم هذين الشيئينِ في الخمر، أي: بسبب شرْبها، و«في» تفيد السسببيةَ؛ كقوله عليه السَّلام: «إنَّ امرأةً دخلتِ النَّارَ في هِرَّةٍ».
الثاني: أنها متعلِّقة بالبغضاء؛ لأنه مصدر معرف بـ «أل».
الثالث: أنه متعلقٌ بـ {العداوة}، وقال أبو البقاء: «ويجوزُ أن تتعلَّق «في» بالعداوة، أو بـ {البَغْضَاء}، أي: أنْ تَتَعادَوْا وأنْ تَتَبَاغَضُوا بسبَبِ شُرْبِ الخَمْرِ»؛ وعلى هذا الذي ذكره: تكونُ المسألةُ من باب التنازعِ، وهو الوجهُ الرابع، إلاَّ أنَّ في ذلك إشكالًا، وهو أنَّ من حقِّ المتنازعين؛ أن يصلُحَ كلٌّ منهما للعملِ، وهذا العاملُ الأولُ، وهو العداوة، لو سُلِّط على المتنازعِ فيه، لزم الفصلُ بين المصدر ومعموله بأجنبيٍّ وهو المعطوف، وقد يقال: إنه في بعضِ صُورِ التنازع يُلْتَزَمُ إعمالُ الثاني، وذلك في فِعْلَي التعجُّبِ، إذا تنازعا معمولًا فيه، وقد تقدَّمَ مُشْبَعًا في البقرة. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (92):

قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك مألوفًا لهم محبوبًا عندهم، وكان ترك المألوف أمرّ من ضرب السيوف، أكد دعوتهم إلى اجتنابه محذرًا من المخالفة بقوله عاطفًا على ما تقديره: فانتهوا: {وأطيعوا الله} أي الملك الأعلى الذي لا شريك له ولا أمر لأحد سواه، أي فيما أمركم به من اجتناب ذلك، وأكد الأمر بإعادة العامل فقال: {وأطيعوا الرسول} أي الكامل في الرسلية في ذلك، وزاد في التخويف بقوله: {واحذروا} أي من المخالفة، ثم بلغ الغاية في ذلك بقوله: {فإن توليتم} أي بالإقبال على شيء من ذلك، وأشار بصيغة التفعل إلى أن ذلك إنما يعمل بمعالجة من النفس للفطرة الأولى، وعظم الشأن في ابتداء الجزاء بالتنبيه بالأمر بالعلم فقال: {فاعلموا} أنكم لم تضروا إلا أنفسكم، لأن الحجة قد قامت عليكم، ولم يبق على الرسول شيء لأنكم علمتم {أنما على رسولنا} أي البالغ في العظمة مقدارًا يجل عن الوصف بإضافته إلينا {البلاغ المبين} أي البين في نفسه الموضح لكل من سمعه ما يراد منه لا غيره، فمن خالف فلينظر ما يأتيه من البلاء من قِبَلنا، وهذا ناظر إلى قوله: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} [المائدة: 67] فكأنه قيل: ما عليه إلا ما تقدم من إلزامنا له به من البلاغ، فمن اختار لنفسه المخالفة كفر، والله لا يهدي من كان مختارًا لنفسه الكفر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا}.
ظاهره أن المراد وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فيما تقدم ذكره من أمرهما بالاجتناب عن الخمر والميسر، وقوله: {واحذروا} أي احذروا عن مخالفتها في هذه التكاليف.
وثامنها: قوله: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد في حق من خالف في هذا التكليف وأعرض فيه عن حكم الله، وبيانه، يعني أنكم إن توليتم فالحجة قد قامت عليكم والرسول قد خرج عن عهدة التبليغ والاعذار والانذار، فأما ما وراء ذلك من عقاب من خالف هذا التكليف وأعرض عنه فذاك إلى الله تعالى، ولا شك أنه تهديد شديد، فصار كل واحد من هذه الوجوه الثمانية دليلًا قاهرًا وبرهانًا باهرًا في تحريم الخمر.
واعلم أن من أنصف وترك الاعتساف علم أن هذه الآية نص صريح في أن كل مسكر حرام، وذلك لأنه تعالى لما ذكر قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة} [المائدة: 91] قال بعده {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} فرتب النهي عن شرب الخمر على كون الخمر مشتملة على تلك المفاسد، ومن المعلوم في بدائه العقول أن تلك المفاسد إنما تولدت من كونها مؤثرة في السكر وهذا يفيد القطع بأن علة قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} هي كون الخمر مؤثرًا في الإسكار، وإذا ثبت هذا وجب القطع بأن كل مسكر حرام، ومن أحاط عقله بهذا التقدير وبقي مصرًا على قوله فليس لعناده علاج، والله أعلم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا} تأكيد للتحريم، وتشديد في الوعيد، وامتثال للأمر، وكفّ عن المنهيّ عنه، وحَسُن عطف {وَأَطِيعُوا اللَّهَ} لما كان في الكلام المتقدّم معنى انتهوا.
وكرر {وَأَطِيعُوا} في ذكر الرسول تأكيدًا؛ ثم حذر في مخالفة الأمر، وتوعد من تولى بعذاب الآخرة؛ فقال: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي خالفتم {أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} في تحريم ما أمر بتحريمه وعلى المرسِل أن يعاقب أو يثيب بحسب ما يُعصَى أو يطاع. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول} عطف على {اجتنبوه} أي أطيعوهما في جميع ما أمرا به ونهيا عنه ويدخل فيه أمرهما ونهيهما في الخمر والميسر دخولًا أوليًا {واحذروا} أي مخالفتهما في ذلك وهذا مؤكد للأمر الأول، وجوز أن يكون المراد أطيعوا فيما أمرا واحذروا عما نهيا فلا تأكيد.
وجوز أيضًا أن لا يقدر متعلق للحذر أي وكونوا حاذرين خاشين وأمروا بذلك لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ} أي أعرضتهم ولم تعملوا بما أمرتم به {فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} أي ولم يأل جهدًا في ذلك فقامت عليكم الحجة وانتهت الأعذار وانقطعت العلل ولم يبق بعد ذلك إلا العقاب.
وفي هذا كما قال الطبرسي وغيره من التهديد وشدة الوعيد ما لا يخفى، وقيل: إن المعنى فاعلموا أنكم لن تضروا بتوليتكم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه ما كلف إلا البلاغ المبين بالآيات وقد فعل وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتموه وليس بشيء إذ لا يتوهم منهم ادعاء الضرر بتوليتهم حتى يرد عليهم.
ومثل ذلك ما قيل: إن المعنى فإن توليتم فلا تطمعوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يهملكم لأن ما على الرسول إلا البلاغ المبين فلا يجوز له ترك البلاغ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92)}.
عطفت جملة {وأطيعوا} على جملة {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91]، وهي كالتذييل، لأنّ طاعة الله ورسوله تعمّ ترك الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وتعمّ غير ذلك من وجوه الامتثال والاجتناب.
وكرّر {وأطيعوا} اهتمامًا بالأمر بالطاعة.
وعطف {واحذَروا} على {أطيعوا} أي وكونوا على حذر.
وحذف مفعول {احذروا} ليُنَزّلَ الفعلُ منزلة اللازم لأنّ القصد التلبّس بالحذر في أمور الدين، أي الحذر من الوقوع فيما يأباه الله ورسوله، وذلك أبلغ من أن يقال واحذروهما، لأنّ الفعل اللازم يقرُب معناه من معنى أفعال السجايا، ولذلك يجيء اسم الفاعل منه على زِنة فَعِلٍ كفرِح ونَهِممٍ.
وقوله: {فإن تولّيتم} تفريع عن {أطيعوا واحذروا}.
والتولّي هنا استعارة للعصيان، شُبّه العصيان بالإعراض والرجوع عن الموضع الذي كان به العاصِي، بجامع المقاطعة والمفارقة، وكذلك يطلق عليه الإدبار.
ففي حديث ابن صياد «ولئنْ أدْبَرْتَ ليَعْقَرَنَّك الله» أي أعرضتَ عن الإسلام.
وقوله: {فاعلموا} هو جواب الشرط باعتبار لازم معناه لأنّ المعنى: فإن تولّيتم عن طاعة الرسول فاعلموا أن لا يضرّ تولّيكم الرسولَ لأنّ عليه البلاغ فحسب، أي وإنّما يضرّكم تولّيكم، ولولا لازم هذا الجواب لم ينتظم الربط بين التولّي وبين علمهم أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام ما أمر إلاّ بالتبليغ.
وذكر فعل {فاعلموا} للتنبيه على أهمية الخبر كما بيّنّاه عند قوله تعالى: {واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه} في سورة البقرة (223).
وكلمة {أنّما} بفتح الهمزة تقيّد الحصر، مثل «إنما» المكسورةِ الهمزة، فكما أفادت المكسورة الحصر بالاتّفاق فالمفتوحتها تفيد الحصر لأنّها فرع عن المكسورة إذ هي أختها.
ولا ينبغي بقاء خلاف من خالف في إفادتها الحصر، والمعنى أنّ أمره محصور في التبليغ لا يتجاوزه إلى القدرة على هدي المبلّغ إليهم.
وفي إضافة الرسول إلى ضمير الجلالة تعظيم لجانب هذه الرسالة وإقامة لمعذرته في التبليغ بأنّه رسول من القادر على كلّ شيء، فلو شاء مُرسله لهَدَى المرسَلَ إليهم فإذا لم يهتدوا فليس ذلك لتقصير من الرسول.
ووصفُ البلاغ بـ {المُبين} استقصاء في معذرة الرسول وفي الإعذار للمعرضين عن الامتثال بعد وضوح البلاغ وكفايته وكونه مُؤيَّدًا بالحجّة الساطعة. اهـ.